تصميم أنشطة تعليمية في اللغة العربية قائمة على نظرية ميزيرو (Mezirow) لتنمية مهارات الاستماع الناقد والکفاءة الذاتية اللغوية لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة

المستخلص

مقدمة:
تعد اللغة من أهم مخلوقات الله في هذ الکون، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِکُمْ وَأَلْوَانِکُمْ إِنَّ فِي ذَلِکَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" (الروم، 22)، والحقيقة أنها سمة أساسية للجنس البشري؛ وذلک لأن ما بني من حضارة، وثقافة، وتقدم علمي، کان مستحيلا بدونها.
 فاللغة من أهم النظم الحضارية التى تجعل الإنسان إنسانا. ولذلک، فهي تستحق الاهتمام لأنها إحدى مقومات بناء الإنسان وبناء الأمة، کما أنها إحدى أهم الوسائل التى تمکن الإنسان من عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله تعالى. (مدکور، 2008، 28)
 واللغة نظام صوتي، رمزي، صرفي، نحوي، دلالي تستخدمه الجماعة في التفکير والتعبير والاتصال؛ لذا فاللغة ليست أداة ولا وسيلة ولا وعاء – کما يعتقد البعض- إنها الرحم الذي يصنع الفکر، إنها منهج التفکير والتعبير والاتصال. (مدکور، 2008، 23)
واللغة العربية لغة حياة وتواصل بين أفراد المجتمع، ووسيلة بناء الفکر والشعور، وهي دعامة التفکير وحافظة التراث البشري وناقلته متجاوزة حدود الزمان والمکان، وبغيرها لم يکن بالإمکان أن يصل المجتمع إلى ما وصل إليه وتزداد أهمية تعليم اللغة وتعلمها بسبب تأثيرها في تعليم بقية المواد الدراسية الأخرى. (حسن شحاتة ،2004 ،93)
 وعند الحديث عن کفاءة اللغة العربية، لابد من الإشارة إلى مهارات اللغة العربية المتمثلة في الاستماع والتحدث والقراءة والکتابة، يلاحظ أن التحدث من أهم ألوان النشاط اللغوي للکبار والصغار على السواء، والناس يستخدمون التعبير الشفوي أکثر من الکتابة؛ أي أنهم يتکلمون أکثر مما يکتبون. ومن هنا يمکن اعتبار التعبير الشفوي هو الشکل الرئيس للتواصل اللغوي للإنسان، ويعد أهم جزء في الممارسة اللغوية واستخداماتها. (علي مدکور، 2008، 111)
واللغة العربية اليوم تشهد تحديات عربية وعالمية في العصر الحالي، بسبب الظروف الراهنة التي تحيط بها، منها إطلاق الدعوات إلى تهميشها، أو تغيير سماتها، أو الانتقاص من وظيفتها، هذه الظروف تفرض على المتخصصين فيها إعادة حيوية اللغة العربية من جديد بأسلوب جذاب عن طريق تعليمها وظيفياً في ميادين العلم والمعرفة، وخلق ذائقة فنية لدى المتعلمين الصغار والکبار؛ للإقبال على تعلم اللغة العربية من خلال الإحساس بقيمتها، وکنوزها الثمينة، بحيث يتمکنون من استعمالها في المواقف اللغوية المختلفة.
وترى دون "Donne" أن اللغة الشفهية هي أساس التعلم في جميع المواد؛ لأنها وسيلة أولية للتواصل، يکون التلاميذ من خلالها أنفسهم، ويشکلون خبراتهم ومعرفتهم وتؤکد أهمية توفير الفرص للمتعلمين ليشترکوا في التحدث أو التعبير الشفوي أثناء مواقف اجتماعية، ومن خلال التحدث يتعلم المتعلمون التعبير الشفوي عن أفکارهم واهتماماتهم بوضوح، واختيار الکلمات التي تتوافق مع المستمعين ومع مواقف التعبير الشفوي المختلفة، وتقديم المناقشات بطريقة متنوعة ومنظمة (Donne, 1998, 3 ).
 واللغة العربية لغة التواصل والتعبير مع الآخرين، إذ وجب تنمية الاتجاهات الإيجابية لدى المتعلمين نحو اللغة الأم عن طريق تفعيل استخدامها تربوياً ولغوياً في مجالات الحياة العلمية والعملية، مما يحقق الأمن اللغوي للأبناء، فيتجهون إلى اختيار تعلّم لغات أخرى من منطلق التواصل الثقافي، ومواکبة المستجدات العلمية والتکنولوجية في المجالات المتنوعة: العلوم والمعارف، والفنون التطبيقية وغيرها، دون الإقلال من مکانة اللغة العربية الفصحى في حياة المتعلمين؛ بل توظيف اللغة في استخدام هذه المستجدات وظهر في الآونة الأخيرة اتجاه واضح لتجاهل اللغة العربية وضعف الاهتمام بمهاراتها في التعليم بشکل عام، ومهارات التحدث بشکل خاص؛ فضعف الاهتمام بالأنشطة والمسابقات الأدبية، وافتقد الطالب المفوه الذي کان يشعل الإذاعة الصباحية بحديثه، افتقد الطالب الخطيب الذي کان يلقي الکلمات المؤثرة في کل مناسبة، افتقد المستمع الناقد الذي يدقق فيما يستمع إليه، ويعبر عن رأيه في المادة المسموعة.
 إن واقع التنظيمات البشرية في بدايتها لم تکن بحاجة إلى نظريات لبساطة الحياة، بينما هذه التنظيمات بدأت تتعقد متطلباتها واحتياجاتها بزيادة نموها المتسارع الذي يؤدي بين الحين والآخر إلى زيادة حجم المتطلبات للنظريات العلمية والعملية، والمؤسسات التربوية ليست إلاّ جزءاً من هذا الواقع المتغير. (الطويل، 2001، 98)
لذا کان على العاملين في مجال التربية والتعليم سواءً على مستوى الأفراد أم المؤسسات، الاهتمام والعناية بکل ما من شأنه أن يحقق رقياً ورفعةً في مستوى التعليم، سواءً في بناء وتصميم البرامج والمقررات الدراسية، أو في تغيير أساليب وطرائق التدريس، أو في اختيار وسائل التعليم المناسبة، أو في تهيئة البيئة التعليمية الجيدة، أو في توظيف التقنية الحديثة، أو في اختيار الکفاءات والطاقات البشرية المدربة من المعلمين، ومتابعة کل جديد وحادث في ذلک بما يتوافق مع التطلعات ويحقق الأهداف المرجوة بحسب ما تفرضه طبيعة العصر وتغيراته.
ورغم الجهود المبذولة من بعض المؤسسات التعليمية في جانب تطوير عناصرها التعليمية، فإن المناهج التعليمية ما زالت بحاجة ماسة إلى تطوير بصورة مستمرة، وأن يکون تطويرها عملية صناعية ذات مردود عالٍ من الکفاءة والنوعية. فالمناهج المدرسية لا تقوم وفقاً لنماذج مستخلصة من نظريات المنهاج وتصميمه لتحقيق أهداف تعليمية معينة؛ بل تصمم المناهج التربوية بصورة لا تعدو أن تکون تکراراً للمناهج السابقة مع إضافات تحسينية على عناصر المنهج وليس تصميماً جديداً لبنية المنهاج بما يتفق مع احتياجات المتعلم واهتماماته أو حاجة المجتمع واهتماماته. (الخوالدة، 1432ه، 34)
وحيث جاء من أهداف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليکسو، 1998م) الاستفادة من النظريات الحديثة في التربية والتعليم والاجتماع وتوظيفها لعمليات التطوير التعليمي والتربوي.
ومن بين هذه النظريات نظرية جاک ميزيرو (Mezirow) للتعلم التحويلي التي دعا إليها عام 1978م، إحدى النظريات التربوية التي جاءت بمبادئ لتساعد الطلاب على تحقيق أهداف تعليمية، منها: اتخاذ القرارات السليمة حيال ما يعرض لهم من مواقف ومعارف وتصحيح المفاهيم حولها، وتنمية مهارات التفکير، ومنها مهارات التفکير الأساسية.
 ويذکر جاک ميزيرو Mezirow, 1991أنه لکي يغير المتعلمون قناعاتهم، (معتقدات معينة، مواقف محددة، خبرات، معارف، ردود أفعال عاطفية) فإن عليهم الانخراط في دائرة التفکير التأملي النقدي حول تجاربهم الحياتية ومعارفهم السابقة، وهذه ستقودهم إلى التحول المنظور- المرتقب - وتصحيح ما لديهم من معارف بأخرى بديلة.
وفي عام 1978م، وصف جاک ميزيرو Mezirow بعدًا جديدًا لنظرية التعلم، وسماها "التعلم التحويلي" واصفاً حدوث التحول في الأفکار والرؤى لدى المتعلم البالغ أمرًا حتميًا، ويعزو ذلک إلى تعرض المتعلم لأفکار ومواقف ومعارف وتجارب جديدة، وأن عملية تفاعل المتعلم مع هذه المستجدات تفرض عليه وبموجب استعداده الذهني والعقلي أن يتعامل معها بـ"منطقية وعقلانية". ووفق ميزيرو، فإن هذه الآلية التحولية تثار حينما يواجه المتعلم إشکالات معرفية أو تجارب حياتية غير مألوفة لديه، ونتيجة لذلک، فإنه يخضع نفسه لما يسميها ميزيرو بـ "الإدراک الواعي" أي التمييز بين قناعاته ومعارفه السابقة ووجهات النظر و المعارف الجديدة، ومن ثم يتخذ القرار في التحول عن آرائه أو قناعاته. (موسى، 2011، 23(
 بنى ميزيرو Mezirow نظريته (التعلم التحويلي) اعتماداً على موجهات النظرية المعرفية والبنائية، والتي أشار فيها إلى مفاهيم مثل "صنع المعنى" أو "بناء المعنى" وهي الأکثر استخدامًا في النهج البنائي للتعليم، وفي النظرية البنائية يتم بناء المعنى من المعرفة (Dirkx,1998,34).
 واستخدم ميزيرو في نظرية التحول کل من النظرية المعرفية والبنائية لتفسير عملية التعلم، وهو ينظر إلى التعلم کعملية استخدام تفسير سابق للوصول إلى تفسير جديد يستخدم في المستقبل" (الموسى، 2008، 12). وتقوم هذه النطرية أيضًا على ترکيز الاهتمام على التعلم المعرفي والمعنى الداخلي والتکوين العقلي للخبرة" (مرسي، 1997، 126).
 ومما يميز هذه النظرية ما أشار إليه 1996))Mezirow, أن التعلم التحويلي هو نموذج مثالي لتعلم البالغين، يميز بين المتعلمين کأوعية للمعرفة مقابل المتعلمين الذين يشارکون بنشاط من خلال التفکير، لتحقيق معنى أعمق ووجهات نظر جديدة لتوجيه تعلمهم.
 کذلک فإن نظرية التعلم التحويلي تمد الباحثين بتکوين عملية يمکن من خلالها فهم نمو البالغين وتقدمهم المعرفي، فالذين سبقوا کبياجيه ومنتسوري قاموا بتقديم نظريات عن التطور في مرحلة الطفولة، وعدد قليل من العلماء بحثوا کيف يتعلم الکبار ويصنعوا معنى لحياتهم؟ إلى أن جاء جاک ميزيرو Mezirow واکتشف الکثير مما يعرف الآن کنظرية للتعلم التحويلي (غادة الوشاحي، 2015، 84). في مبادئها الثلاثة: مرکزية الخبرة، التفکير النقدي لمجمل المعارف، الخطاب العقلاني.